فصل: (فرع: ما يقوم بدل المسح)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي



.[فرع: غسل شعور الوجه]

قال الشيخ أبو حامد: فإن نبت له شعر تحت محاجر عينيه.. وجب عليه: إيصال الماء إلى بشرته؛ لأنه نادر، وكذا إن نبت للمرأة لحية.. وجب: إيصال الماء إلى بشرتها وإن كان الشعر كثيفًا؛ لأنه نادر.
ويجب إيصال الماء إلى باطن الأهداب، والحاجبين، والعذارين، والشارب، وإن كان شعرها كثيفًا. واختلف أصحابنا في علته:
فمنهم من قال: لأن الشعر يخف في هذه الموضوع في الغالب، فإذا كثف.. كان نادرًا، فيلحق بالغالب. وهذا هو الصحيح.
ومنهم من قال: يجب؛ لإحاطة بياض الوجه بهذه الشعور.
وأما (العنفقة): وهو الشعر الذي على الشفة السفلى إلى اللحية، فإن كانت منفرجة عن اللحية.. وجب إيصال الماء إلى بشرتها وإن كانت كثيفة، كما قلنا في هذه الشعور.
وإن كانت العنفقة متصلة بشعر اللحية، فإن قلنا: العلة في تلك الشعور أنها خفيفة في الغالب.. وجب هاهنا أيضًا؛ لهذه العلة. وإن قلنا: إن العلة هناك إحاطة بياض الوجه بهن.. لم يجب إيصال الماء إلى باطنها؛ لفقد هذه العلة. قال الصيدلاني: ولو خرجت سباله عن حد الوجه.. فالمذهب: أنه يجب غسلها، وكذلك لو كان بوجهه سلعة وخرجت عن حد الوجه.. وجب غسلها.

.[فرع: استرسال اللحية]

وإن نبتت له لحيه واسترسلت، ونزلت عن حد الوجه.. وجب غسل ظاهر الشعر الذي لم ينزل عن الوجه. وفيما نزل عن حد الوجه طولًا وعرضًا.. قولان:
أحدهما: لا يجب إفاضة الماء على ظاهره؛ لأنه شعر لا يلاقي محل الفرض، فلم يكن محلا للفرض، كطرف شعر الذؤابة.
والثاني: يجب؛ لأنه شعر ظاهر نابت على بشرة الوجه، فأشبه شعر الحاجب.

.[فرع: لا يجب غسل داخل العينين]:

وأما إدخال الماء في العينين: فلا يجب؛ لأنه لم ينقل ذلك عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قولًا، ولا فعلًا.
قال الشيخ أبو حامد: وهو هيئة في الوضوء، وليس بسنة؛ لأن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: (إنما ذكرت المضمضة والاستنشاق دون غسل العين؛ للسنة، ولأنهما يتغيران، فيزيل الماء تغيرهما، والعين لا تتغير).
ومن أصحابنا من قال: يستحب ذلك؛ لما روي: أن ابن عمر كان يغسل عينيه حتى عمي. والأول أصح.
قال ابن الصباغ: إلا أنه يستحب أن يمسح (مآقي العينين)، وهو: مخصرهما؛ لما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يمسح المأقين»، واحدهما: مأق، ويسمى: المؤق أيضًا، ولأنه قد يجتمع فيهما كحل أو رمص، فيزيل ذلك، ويصل الماء إليه.

.[مسألة: فرضية غسل اليدين]

ثم يغسل يديه، وهو واجب؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6].
وروي: «أن النبي لما توضأ.. غسل يديه»، وقال لأعرابي: «توضأ كما أمرك الله».
وأجمعت الأمة على وجوب غسلهما.
ويستحب أن يبدأ بيده اليمنى، ثم باليسرى؛ لما روي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا توضأتم.. فابدؤوا بميامنكم».
فإن بدأ باليسرى قبل اليمنى.. أجزاه، وبه قال عامة أهل العلم. وقال الفقهاء السبعة: لا يجزئه.
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6]. ولم يفرق.
قال الصيمري: فإن كان هو الغاسل.. أخذ الماء بكفه، ثم أحدره إلى مرفقه مجريًا له بكفه، وكذلك يفعل باليسرى. وإن كان غيره يصب الماء عليه.. أمره بالصب من مرفقه إلى أطراف أصابعه، ويكون مجلس الصاب عن يساره.
ويجب إدخال المرفقين في الغسل، وهو قول كافة العلماء.
وقال زفر، وأبو بكر بن داود: هما حدان، فلا يجب إدخالهما في الغسل.
دليلنا: ما روى جابر: «أن النبي كان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا توضأ.. أمر الماء على مرفقيه». وهذا منه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخرج مخرج البيان؛ لما ورد به القرآن مجملًا.
قال المسعودي [في "الإبانة": ق \ 18] وفي (المرفق) قولان:
أحدهما: أنه مجتمع العظمين: عظم الساعد، وعظم العضد.
والثاني: أنه عظم الساعد، وإنما يغسل عظم العضد تبعًا.
ومن أصحابنا من قال: المرفق: مجتمع العظمين قولًا واحدًا.
وفي المرفق لغتان: يقال: مرفق، بكسر الميم وفتح الفاء. ويقال مرفق، بفتح الميم وكسر الفاء.

.[فرع: ما طال من الأظفار]

وإن كانت له أظفار قد طالت، وخرجت عن حد اليد.. فهل يجب غسل ما خرج منها من حد اليد؟
من أصحابنا من قال: فيه قولان، كاللحية المسترسلة.
ومنهم من قال: يجب غسل ذلك قولًا واحدًا؛ لأن ذلك نادر، بخلاف اللحية.

.[فرع: غسل العضو الزائد]

إذا كانت له أصبع زائدة، أو كف زائد في كفة أو ذراعه.. وجب غسلهما؛ لأنهما في محال الفرض.
وإن كانت له يد زائدة، فإن كان أصلها في محال الفرض.. وجب غسلها مع اليد؛ لأنها في محل الفرض.. وإن كان أصلها في منكبه أو عضده، فإن كانت قصيرة لم تحاذ شيئًا من محال الفرض.. لم يجب غسلها. وإن كان فيها شيء قد حاذى محل الفرض.. فهل يجب غسل ما حاذى منها محل الفرض مع اليد؟ فيه وجهان، حكاهما ابن الصباغ:
أحدهما: وهو المشهور -: أنه يجب؛ لأنه يقع عليها اسم اليد.
والثاني: لا يجب؛ لأن أصلها في غير محل الفرض، وهي تابعة له.
وما قاله الأول من: أنه يقع عليها اسم اليد؛ يبطل بها إذا كانت قصيرة لم تحاذ من محال الفرض، فإنه يقع عليها اسم اليد، ومع هذا فلا يجب غسلها.
وإن كان لها يدان متساويان على منكب أو مرفق.. وجب غسلهما؛ لوقوع اسم اليد عليهما.

.[فرع: الجلد المنكشط]

وإن انكشطت منه جلدة، وتدلت من محل الفرض في اليد.. وجب غسلها مع اليد، سواء انكشطت من محل الفرض وتدلت منه، أو انكشطت من العضد، وبلغت إلى المرفق أو الساعد فتدلت منه؛ لأنها صارت تابعة لما نزلت منه.
وإن تدلت من العضد.. لم يجب غسلها، سواء انكشطت من العضد وتدلت منه، أو انكشطت من محل الفرض وبلغت إلى العضد؛ لأنها صارت تابعة للعضد.
وهكذا إن انكشطت من الساعد أو العضد، والتزقت بالآخر.. وجب غسل ما حاذى منها محل الفرض، ولا يجب غسل ما علا العضد؛ لأن ما علا محل الفرض تابع له، فوجب غسله، وما علا العضد تابع له، فلم يجب غسله.
وإن سقط طرفها من أحدهما والتحم بالأخرى، وبقي ما تحتها متجافيا.. وجب غسل ما تحتها متجافيا من محل الفرض، ووجب غسل ما حاذى محل الفرض من الجلدة وإن كان متجافيا؛ لأنه تابع له.

.[فرع: العضو المبان بعضه]

وإن كان أقطع اليد، فإن كان مقطوعًا من دون المرفق.. وجب غسل ما بقي من الساعد مع المرفق. وإن كان مقطوعًا من فوق المرفق.. فلا فرض عليه، ويستحب له أن يمس ما بقي.. من العضد ماء حتى لا يخلو العضو من الطهارة.
وإن كان مقطوعًا من المرفقين.. فنقل المزني - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (أنه لا فرض عليه)، ونقل الربيع: (أنه يجب عليه غسل ما بقي من المرفقين). واختلف أصحابنا في ذلك:
فقال أكثر البغداديين من أصحابنا: غلط المزني في نقله، وأجاب في هذه المسألة بجواب المسألة قبلها.
ومنهم من قال: بل ما نقله المزني صحيح أيضًا، وأراد بقوله: (من المرفقين)، أي: مع المرفقين.
وقال الخراسانيون: في المسألة قولان، واختلفوا في أصل القولين:
فمنهم من قال: أصلهما القولان في المرفق:
أحدهما: أنه مجتمع العظمين: عظم الساعد، وعظم العضد، وهو المشهور.
فعلى هذا: يجب عليه غسل عظم العضد.
والثاني: أن المرفق عظم الساعد.
فعلى هذا: لا يجب غسل عظم العضد.
ومنهم من قال: المرفق: هو مجتمع العظمين، وإنما هل يغسل عظم العضد تبعًا، أو قصدًا؟ وفيه قولان:
فإن قلنا: يجب غسله قصدًا.. وجب غسله هاهنا.
وإن قلنا: يجب غسله تبعًا.. لم يجب غسله هاهنا. وكل موضع قلنا: لا يجب غسله.. استحب له أن يمسه ماء؛ حتى لا يخلوا العضو من الطهارة.

.[فرع: شرعية استعانة الأقطع]

فإن وجد الأقطع من يوضئه بأجرة المثل، وهو قادر عليها.. لزمه ذلك، كما يلزمه شراء الماء بثمن المثل. وإن بذل له غيره توضيئه بغير أجرة.. قال الصيدلاني: لزمه ذلك؛ لأن عليه التسبب إلى أداء الصلاة.
وإن لم يجد من يوضئه بأجرة، ولا بغير أجرة.. صلى على حسب حاله، وأعاد إذا قدر، كما لو لم يجد ماء ولا ترابًا. وإن كان معسرًا بالأجرة.. صلى على حسب حاله وأعاد؛ لأنه نادر.
وإن توضأ، ثم قطعت يده.. لم يلزمه غسل ما ظهر عن الحدث. وكذلك لو مسح رأسه، ثم حلقه.. لم يلزمه مسح ما ظهر.
وقال محمد بن جرير الطبري: يبطل مسح الرأس، كما يبطل مسح الخف. دليلنا: أن الطهارة لم تتعلق بموضوع القطع، وإنما كانت متعلقة بما ظهر من اليد، وقد غسله؛ ولأن ما ظهر ليس ببدل عما تحته، فهو كما لو غسل يده، ثم كشط جلدها.
فإن أحدث بعد ذلك.. لزمه غسل ما ظهر بالقطع. وكذلك إن حصل في بعض أعضاء الطهارة ثقب.. لزمه غسل باطنه؛ لأنه صار ظاهرًا.

.[فرع: سنية تحريك الخاتم]

قال ابن الصباغ: وإذا كان في إصبعه خاتم.. فيستحب أن يحركه مع علمه بوصول الماء إلى ما تحته، إلا أن يكون الخاتم واسعًا، فلا يحتاج إلى التحريك؛ لما روى أبو رافع: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا توضأ.. حرك خاتمه في أصبعه».

.[مسألة: فرضية مسح الرأس]

ثم يمسح رأسه، وهو واجب؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6]. ولأن كل من وصف وضوء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالوا: مسح رأسه.
وأجمعت الأمة على وجوبه. ثم الكلام فيه في ثلاثة فصول: في قدر الواجب، والمستحب، والتكرار.
فأما قدر الواجب منه.. ففيه وجهان:
أحدهما: من أصحابنا من قال: الواجب مسح ثلاث شعرات، كما قلنا في الحلق في التحلل من الإحرام.
والمذهب: أنه لا يتقدر، بل لو مسح ما يقع عليه اسم المسح ولو بعض شعره.. أجزأه؛ لأن الله تعالى أمر بالمسح، وأقله ما يقع عليه الاسم. هذا مذهبنا.
وقال مالك، والمزني، وأحمد - في إحدى الروايتين -: (يجب مسح جميعه).
وقال محمد بن مسلمه: إن ترك الثلث.. جاز. وهي الرواية الثانية عن أحمد. وقال بعض أصحاب مالك: إن ترك اليسير منه ناسيًا.. جاز.
وعن أبى حنيفة ثلاث روايات:
إحداهن: (الواجب مسح قدر ربعه).
والثانية: (الواجب مسح قدر الناصية).
والثالثة: (الواجب مسح قدر ثلاث أصابع بثلاث أصابع).
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6]. والباء: للتبعيض.
وروى المغيرة بن شعبة: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسح بناصيته، وعلى عمامته».
وهذا يبطل قول من أوجب مسح الكل، ويبطل التقدير الذي قدره أبو حنيفة بالربع، فإن الناصية ما بين النزعتين، وهو ما دون الربع.
أما المستحب: فهو أن يمسح جميعه، ويجعل الماء في كفيه، ثم يرسله، ثم يضع إبهاميه على صدغيه، وسبابتيه على مقدم رأسه، ثم يذهب بيده إلى قفاه، ثم يردهما إلى الموضع الذي بدأ منه؛ لما روي: (أن عبد الله بن زيد وصف وضوء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فوصف: أنه مسح رأسه كما ذكرنا)؛ ولأن منابت الشعر مختلفة، ففي ذهابه يقع المسح على باطن شعر مقدم رأسه وعلى ظاهر مؤخره، وفي رد يديه يقع على باطن مؤخره وظاهر مقدمه.

.[فرع: ما يقوم بدل المسح]

وإن وضع إصبعه على رأسه ولم يمرها عليه، أو قطر على رأسه ماء، أو غسل رأسه مكان المسح.. فهل يجزئه؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يجزئه، وهو اختيار القفال؛ لأنه لم يمسح.
والثاني: يجزئه، وهو الأصح؛ لأنه قد حصل فيه المسح وزيادة في الغسل.

.[فرع: مسح المحلوق والأصلع]

فإن كان محلوقا أو أصلع، فمسح على البشرة.. أجزأه؛ لأنه مسح على ما يقع عليه اسم الرأس.
وإن كان له شعر قد نزل عن حد الرأس، فمسح على ما نزل عن حد الرأس منه.. لم يجزئه؛ لأنه لا يقع عليه اسم الرأس.
وإن رد الشعر النازل عن حد الرأس إلى وسط الرأس، ومسح عليه هناك.. لم يجزئه أيضًا؛ لأنه كالعمامة.
وإن كان له شعر قد زايل منبته، إلا أنه لم ينزل عن حد الرأس، فمسح على ما زايل منبته.. فهل يجزئه؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يجزئه؛ لأنه مسح على شعر في غير منبته، فهو كما لو مسح على الشعر النازل عن حد الرأس.
والثاني: يجزئه، وهو المذهب؛ لأنه مسح على ما يقع عليه اسم الرأس، فهو كما لو مسح على رؤوس الشعر الذي لم يزايل منبته.
فإذا قلنا بهذا، ولم يمسح على الشعر، بل مسح على البشرة التي تحت هذا الشعر.. فهل يجزئه؟ فيه وجهان:
أحدهما: قال الشيخ أبو حامد: لا يجزئه؛ لأنه لم يمسح على ما برأس.
قال ابن الصباغ: وإنما هذا يتصور أن يمسح أصول الشعر دون أعلاه، وإلا فمتى كان تحت الشعر بشرة لا شعر عليها، وإنما عليها شعر غيرها.. جاز المسح عليها، كما لو كانت مكشوفة.
والثاني: قال أكثر أصحابنا: يجزئه؛ لأنه محل للمسح، بدليل أنه لو لم يكن عليه شعر، فمسح عليه.. أجزأه.
وإن كان بعض رأسه محلوقًا، أو أصلع وعلى بعضه شعر لم ينزل عن منبته، فإن مسح على المحلوق أو الأصلع.. أجزأه، وإن مسح على الشعر الذي لم ينزل عن منبته.. أجزأه؛ لأن كل واحد منهما محل للمسح، فيخير بينهما.

.[فرع: المسح على العمامة]

فإن كان على رأسه عمامة، ولم يرد نزعها.. فالمستحب: أن يمسح بناصيته، ويتم المسح على العمامة؛ لما روى المغيرة بن شعبة: أن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسح بناصيته، وعلى عمامته».
فإن اقتصر على مسح العمامة.. لم يجزئه، وبه قال مالك، وأبو حنيفة.
وقال الثوري، والأوزاعي، وأحمد، وداود: (يجوز)، إلا أن أحمد والأوزاعي قالا: (إنما يجوز إذا لبسها على طهارة، كالخف).
وقال بعض أصحاب أحمد: إنما يجوز إذا كانت تحت الحنك.
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6]. والعمامة لا يقع عليها اسم الرأس؛ ولأنه عضو لا يلحقه المشقة في إيصال الماء إليه.. فلم يجز المسح على حائل منفصل عنه، كالوجه واليد.
فقولنا: (لا يلحقه المشقة في إيصال الماء إليه) احتراز من الخف والجبيرة.
وقولنا: (على حائل منفصل عنه) احتراز من مسح الشعر النابت على الرأس.

.[فرع: استحباب تكرار مسح الرأس]

وأما تكرار مسح الرأس: فاختلف الناس فيه على ثلاثة مذاهب:
فـالأول: ذهب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (إلى أن السنة: أن يمسحه ثلاثًا، كل مرة بماء جديد). وروى ذلك عن أنس، وهو قول عطاء.
والثاني: قال الحسن، ومجاهد، ومالك، وأبو حنيفة، والثوري، وأحمد وأبو ثور: (السنة: أن يمسحه مرة واحدة). وهو اختيار الشيخ أبي نصر البندنيجي صاحب " المعتمد ".
و الثالث قال ابن سيرين: يمسحه مرتين، مرة فرضًا، ومرة سنة.
دليلنا: ما روى أبي بن كعب: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: توضأ مرة مرة، وقال: هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به، ثم توضأ مرتين مرتين، وقال: من توضأ مرتين مرتين.. آتاه الله أجره مرتين، ثم توضأ ثلاثًا ثلاثًا، وقال: هذا وضوئي، ووضوء الأنبياء من قبلي، ووضوء خليلي إبراهيم». ولم يفرق بين الرأس وغيره؛ ولأنه أحد أعضاء الطهارة، فسن فيه التكرار، كسائر الأعضاء.

.[مسألة: سنية مسح الأذنين]

ثم يمسح أذنيه ظاهرهما، وباطنهما.
قال الصيمري: وظاهرهما: مما يلي الرأس، وباطنهما: مما يلي الوجه ليس الصماخين؛ لما روى المقدام بن معدي كرب: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ، فمسح أذنيه ظاهرهما وباطنهما، وأدخل أصبعيه في صماخي أذنيه» قال صاحب "الفروع": ويدخل أصبعيه في صماخي أذنيه، ويمر اليد مع تلك البلة على عنقه، وقد قيل: يعود إلى الصماخين بماء.
وقد اختلف الناس في الأذنين، على خمسة مذاهب:
فـالأول: ذهب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلى: (أنهما ليستا من الوجه فلا يغسلان معه، ولا من الرأس فلا يمسحان معه، وإنما هما عضوان منفردان، فيأخذ لهما ماء جديدا غير الذي مسح به الرأس). وروي ذلك عن ابن عمر، والحسن، وعطاء.
والثاني: ذهب مالك، وأحمد: (إلى أنهما من الرأس، إلا أنه يأخذ لهما ماء غير الماء الذي مسح به الرأس). فوافقانا في الحكم دون الاسم.
والثالث ذهب أبو حنيفة، وأصحابه: (إلى أنهما من الرأس... فيمسحان بالماء الذي مسح به الرأس). فخالفونا في الاسم والحكم.
والرابع قال الزهري: هما من الوجه، فيجب غسلهما مع الوجه. وحكى الشاشي: أن أبا العباس بن سريج كان يغسل أذنيه مع الوجه، ويمسحهما مع الرأس احتياطًا. وهذا ليس بمشهور عنه.
والخامس قال الشعبي، والحسن بن صالح، وإسحاق: ما أقبل منهما من الوجه فيغسل مع الوجه، وما أدبر منهما مع الرأس فيمسح معه.
دليلنا: ما روى عبد الله بن زيد بن عاصم ـ وليس بصاحب الأذان ـ من " التعليقة " لعطاء: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: توضأ، فمسح أذنيه بماء غير الماء الذي مسح به رأسه»؛ ولأن كل ما لم يجز مسحه عن مسح الرأس، انفرد بحكمه، كالجبهة.
ومسحهما: سنة غير واجب؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للأعرابي: «توضأ كما أمرك الله». ولم يأمر الله بمسحهما.

.[مسألة: فرضية غسل الرجلين]

ثم يغسل رجليه ـ وهو واجب ـ في قول أكثر العلماء.
وقالت الإمامية ـ من الرافضة ـ: يجب مسحهما، ولا يجزئ غسلهما.
وقال ابن جرير الطبري: هو مخير بين أن يغسلهما، وبين أن يمسحهما.
وقال بعض أهل الظاهر: يجب عليه أن يجمع بين غسلهما ومسحهما.
دليلنا قولة تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] بنصب قوله: (وأرجلكم)، فتكون عطفًا على الغسل.
وقراءة من قرأ بخفض (وأرجلكم)، فإنما هو جر بالجوار، لا بحكم العطف. كما قال الشاعر:
فظل طهاة اللحم من بين منضجٍ ** صفيف شواءٍ أو قديرٍ معجل.

فجر: أو (قديرٍ) بالجوار مع واو العطف. وتقول العرب: (هذا جحر ضب خربٍ).
ولأن كل من وصف وضوء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالوا: غسل رجليه، ولم يذكر أحد منهم: أنه مسحهما. وقال جابر: «أمرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إذا توضأنا أن نغسل أرجلنا».
قال الصيمري: فإن كان هو الغاسل بنفسه، بدأ بصب الماء من أطراف أصابعه إلى كعبيه. وإن كان غيره هو الغاسل له، صب الماء من كعبيه إلى أطراف أصابعه.

.[فرع: الكعبان من الرجلين]

ويجب إدخال الكعبين في الغسل.
وقال زفر بن الهذيل، وأبو بكر بن داود: هما حدان، فلا يجب إدخالهما في الغسل.
دليلنا قولة تعالى {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6]. قال أهل التفسير: مع الكعبين.
وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ويل للأعقاب من النار» يعني: التي لم يصبها الماء.
و (الكعبان): هما العظمان الناتئان عند مفصل الساق والقدم.
وقال محمد بن الحسن، وبعض أصحاب الحديث: الكعبان: هما العظمان الناتئان في ظهر القدم موضع الشراك.
دليلنا: قولة تعالى {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6]، ولم يرد به حد جميعهما؛ لأنه لو أراد ذلك لقال: إلى الكعاب، كما قال تعالى {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6]. فدل على: أنه أراد حد الرجل الواحدة، وليس للرجل الواحدة كعبان إلا على ما قلنا، وعلى قولهم لا يكون لها إلا كعب واحد.
وروى النعمان بن بشير قال: «أقبل علينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بوجهه، وقال: أقيموا صفوفكم. فلقد رأيت الرجل منا يلصق كعبه بكعب صاحبه، ومنكبه بمنكبه». وهذا لا يكون إلا على ما قلناه.